كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس، مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري قال: دعاء الذي عنده من الكتاب.
يا إلهنا وإله كل شيء إلهًا واحدًا لا إله إلا أنت: ائتني بعرشها. قال: فمثل له بين يديه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس قال: لم يجر عرش صاحبة سبأ بين الأرض والسماء، ولكن انشقت به الأرض فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن سابط قال: دعا باسمه الأعظم، فدخل السرير فصار له نفق في الأرض حتى نبع بين يدي سليمان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: دعا باسم من أسماء الله. فإذا عرشها يحمل بين عينيه. ولا يدري ذلك الاسم. قد خفي ذلك الإِسم على سليمان وقد أعظم ما أعطى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} قال: كان رجلًا من بني إسرائيل يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطي. وارتداد الطرف أن يرى ببصره حيث بلغ ثم يرد طرفه. فدعاه فلما رآه مستقرًا عنده جزع وقال: رجل غيري أقدر على ما عند الله مني.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر} إذا أتيت بالعرش {أم أكفر} إذا رأيت من هو أدنى مني في الدنيا أعلم مني.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {قال نكروا لها عرشها} قال: زيد فيه ونقص ل {ننظر أتهتدي} قال: لننظر إلى عقلها. فوجدت ثابتة العقل.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {قال نكروا لها عرشها} قال: تنكيره أن يجعل أسفله أعلاه، ومقدمه مؤخره، ويزاد فيه أو ينقص منه، فلما جاءت {قيل أهكذا عرشك} قالت {كأنه هو} شبهته به وكانت قد تركته خلفها فوجدته أمامها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: لما دخلت وقد غير عرشها. فجعل كل شيء من حليته أو فرشه في غير موضعه ليلبسوا عليها قيل {أهكذا عرشك} فرهبت أن تقول نعم هو. فيقولون: ما هكذا كان حليته ولا كسوته، ورهبت أن تقول ليس هو، فيقال لها: بل هو ولكنا غيرناه. فقالت كأنه هو.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله: {وأوتينا العلم من قبلها} قال: سليمان يقوله: أوتينا معرفة الله وتوحيده.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وأوتينا العلم من قبلها} قال: سليمان يقوله. وفي قوله: {وصدها ما كانت تعبد من دون الله} قال: كفرها بقضاء الله غير الوثن أن تهتدي للحق.
في قوله: {قيل لها ادخلي الصرح} بركة ماء ضرب عليها سليمان قوارير، وكانت بلقيس عليها شعر، قدماها حافر كحافر الحمار، وكانت أمها جنية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: كان الصرح من زجاج وجعل فيه تماثيل السمك. فلما رأته وقيل لها: أدخلي الصرح. فكشفت عن ساقيها وظنت أنه ماء قال: {والممرد} الطويل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: كان قد نعت لها خلقها، فأحب أن ينظر إلى ساقيها، فقيل لها {ادخلي الصرح} فلما رأته ظنت أنه ماء، فكشفت عن ساقيها، فنظر إلى ساقيها أنه عليهما شعر كثير، فوقعت من عينيه وكرهها، فقالت له الشياطين: نحن نصنع لك شيئًا يذهب به. فصنعوا له نورة من أصداف، فطلوها فذهب الشعر، ونكحها سليمان عليه السلام.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله قالت {رب إني ظلمت نفسي} قال: ظنت أنه ماء. وأن سليمان أراد قتلها فقالت: أراد قتلي- والله- على ذلك، لأقتحمن فيه. فلما رأته أنه قوارير عرفت أنها ظلمت سليمان بما ظنت. فذلك قولها {ظلمت نفسي} وإنما كانت هذه المكيدة من سليمان عليه السلام لها. إن الجن تراجعوا فيما بينهم فقالوا: قد كنتم تصيبون من سليمان غرة، فإن نكح هذه المرأة اجتمعت فطنة الوحي والجن فلن تصيبوا له غرة. فقدموا إليه فقالوا: إن النصيحة لك علينا حق، إنما قدماها حافر حمار. فذلك حين ألبس البركة قوارير، وأرسل إلى نساء من نساء بني إسرائيل ينظرنها إذا كشفت عن ساقيها. ما قدماها؟ فإذا هي أحسن الناس ساقًا من ساق شعراء، وإذا قدماها هما قدم إنسان، فبشرن سليمان. وكره الشعر، فأمر الجن، فجعلت النورة. فذلك أول ما كانت النورة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان سليمان بن داود عليه السلام إذا أراد سفرًا قعد على سريره، ووضعت الكراسي يمينًا وشمالًا، فيؤذن للإِنس عليه، ثم أذن للجن عليه بعد الانس، ثم أذن للشياطين بعد الجن، ثم أرسل إلى الطير فتظلهم، وأمر الريح فحملتهم وهو على سريره، والناس على الكراسي، والطير تظلهم، والريح تسير بهم. غدوها شهر، ورواحها شهر، رخاء حيث أراد. ليس بالعاصف، ولا باللين، وسطا بين ذلك. وكان سليمان يختار من كل طير طيرًا، فيجعله رأس تلك الطير. فإذا أراد أن يسائل تلك الطير عن شيء سأل رأسها.
فبينما سليمان يسير إذ نزل مفازة فقال: كم بعد الماء ههنا؟ فسأل الإِنس فقالوا: لا ندري! فسأل الشياطين فقالوا: لا ندري! فغضب سليمان وقال: لا أبرح حتى أعلم كم بعد مسافة الماء ههنا؟ فقالت له الشياطين: يا رسول الله لا تغضب، فإن يك شيء يعلم فالهدهد يعلمه.
فقال سليمان: عليَّ بالهدهد. فلم يوجد، فغضب سليمان وقال: {لأعذبنه عذابًا شديدًا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين} يقول: بعذر مبين غيبه عن مسيري هذا.
قال: ومر الهدهد على قصر بلقيس فرأى لها بستانًا خلف قصرها، فمال إلى الخضرة فوقع فيه، فإذا هو بهدهد في البستان فقال له: هدهد سليمان أين أنت عن سليمان وما تصنع ههنا؟ فقال له هدهد بلقيس: ومن سليمان؟! فقال: بعث الله رجلًا يقال له: سليمان رسولًا وسخر له الجن والانس والريح والطير. فقال له هدهد بلقيس: أي شيء تقول؟ قال: أقول لك ما تسمع. قال: إن هذا لعجب! وأعجب من ذلك أن كثرة هؤلاء القوم تملكهم امرأة {وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم} جعلوا الشكر لله: أن يسجدوا للشمس من دون الله.
قال: وذكر لهدهد سليمان، فنهض عنه فلما انتهى إلى العسكر تلقته الطير فقالوا: تواعدك رسول الله، وأخبروه بما قال. وكان عذاب سليمان للطير أن ينتفه، ثم يشمسه، فلا يطير أبدًا ويصير مع هوام الأرض، أو يذبحه فلا يكون له نسل أبدًا. قال الهدهد: وما استثنى نبي الله؟ قالوا: بلى. قال: أو ليأتيني بعذر مبين. فلما أتى سليمان قال: وما غيبتك عن مسيري؟ قال: {أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم} قال: بل اعتللت {سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم} وكتب {بسم الله الرحمن الرحيم} إلى بلقيس {ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين} فلما ألقى الهدهد الكتاب إليها، ألقى في روعها أنه كتاب كريم، وإنه من سليمان و{ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين}، {قالوا نحن أولوا قوة} قالت {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها}، {وإني مرسلة إليهم بهدية} فلما جاءت الهدية سليمان قال: أتمدونني بمال ارجع إليهم. فلما رجع إليها رسلها خرجت فزعة، فأقبل معها ألف قيل مع كل قيل مائة ألف.
قال: وكان سليمان رجلًا مهيبًا لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه. فخرج يومئذ فجلس على سريره فرأى رهجًا قريبًا منه قال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس يا رسول الله قال: وقد نزلت منا بهذا المكان؟ قال ابن عباس: وكان بين سليمان وبين ملكة سبأ ومن معها حين نظر إلى الغبار كما بين الكوفة والحيرة قال: فأقبل على جنوده فقال: أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين؟ قال: وبين سليمان وبين عرشها حين نظر إلى الغبار مسيرة شهرين {قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك}.
قال: وكان لسليمان مجلس يجلس فيه للناس كما تجلس الأمراء، ثم يقوم قال سليمان: أريد اعجل من ذلك.
قال الذي عنده علم من الكتاب: أنا انظر في كتاب ربي ثم آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك. فنظر إليه سليمان فلما قطع كلامه، رد سليمان بصره، فنبع عرشها من تحت قدم سليمان. من تحت كرسي كان يضع عليه رجله، ثم يصعد إلى السرير، فلما رأى سليمان عرشها مستقرًا عنده {قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر} إذ أتاني به قبل أن يرتد إليَّ طرفي {أم أكفر} إذ جعل من هو تحت يدي أقدر على المجيء مني، ثم {قال نكروا لها عرشها}، {فلما جاءت} تقدمت إلى سليمان {قيل لها أهكذا عرشك فقالت كأنه هو} ثم قالت: يا سليمان إني أريد أن أسألك عن شيء فأخبرني به قال: سلي. قالت: أخبرني عن ماء رواء لا من الأرض ولا من السماء.
قال: وكان إذا جاء سليمان شيء لا يعلمه يسأل الإِنس عنه، فإن كان عند الإِنس منه علم وإلا سأل الجن، فإن لم يكن عند الجن علم سأل الشياطين، فقالت له الشياطين: ما أهون هذا يا رسول الله! مر بالخيل فتجري ثم لتملأ الآنية من عرقها فقال لها سليمان: عرق الخيل قالت: صدقت قالت: فأخبرني عن لون الرب قال ابن عباس: فوثب سليمان عن سريره فخر ساجدًا فقامت عنه، وتفرقت عنه جنوده، وجاءه الرسول فقال: يا سليمان يقول لك ربك ما شأنك؟ قال: يا رب أنت أعلم بما قالت قال: فإن الله يأمرك أن تعود إلى سريرك فتقعد عليه، وترسل إليها وإلى من حضرها من جنودها، وترسل إلى جميع جنودك الذين حضروك فيدخلوا عليك، فتسألها وتسألهم عما سألتك عنه قال: ففعل سليمان ذلك. فلما دخلوا عليه جميعًا قال لها: عم سألتيني؟ قالت: سألتك عن ماء رواء لا من الأرض ولا من السماء قال: قلت لك عرق الخيل قالت: صدقت. قال: وعن أي شيء سألتيني؟ قالت: ما سألتك عن شيء إلا عن هذا قال لها سليمان: فلأي شيء خررت عن سريري؟! قالت: كان ذلك لشيء لا أدري ما هو. فسأل جنودها فقالوا: مثل قولها. فسأل جنوده من الإِنس، والجن، والطير، وكل شيء كان حضره من جنوده، فقالوا: ما سألتك يا رسول الله عن شيء إلا عن ماء رواء قال: وقد كان.
قال له الرسول: يقول الله لك: ارجع ثمة إلى مكانك فإني قد كفيتكم فقال سليمان للشياطين: ابنو لي صرحًا تدخل علي فيه بلقيس، فرجع الشياطين بعضهم إلى بعض فقالوا لسليمان: يا رسول الله قد سخر الله لك ما سخر، وبلقيس ملكة سبأ ينكحها فتلد له غلامًا فلا ننفك له من العبودية أبدًا قال: وكانت امرأة شَعْرَاء الساقين فقالت الشياطين: ابنو له بنيانًا كأنه الماء يرى ذلك منها فلا يتزوجها، فبنوا له صرحًا من قوارير، فجعلوا له طوابيق من قوارير، وجعلوا من باطن الطوابيق كل شيء يكون من الدواب في البحر.
من السمك وغيره ثمَّ اطبقوه، ثم قالوا لسليمان: ادخل الصرح. فألقي كرسيًا في أقصى الصرح. فلما دخله أتى الكرسي فصعد عليه ثم قال: أدخلوا عليَّ بلقيس فقيل لها ادخلي الصرح فلما ذهبت تدخله فرأت صورة السمك، وما يكون في الماء من الدواب {حسبته لجة فكشفت عن ساقيها} لتدخل. وكان شعر ساقها ملتويًا على ساقيها. فلما رآه سليمان ناداها وصرف وجهه عنها {إنه صرح ممرد من قوارير} فألقت ثوبها وقالت {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}.
فدعا سليمان الإِنس فقال: ما أقبح هذا! ما يذهب هذا! قالوا: يا رسول الله الموسى. فقال: الموسى تقطع ساقي المرأة، ثم دعا الشياطين فقال مثل ذلك، فتلكؤوا عليه ثم جعلوا له النورة قال ابن عباس: فإنه لأول يوم رؤيت فيه النورة قال: واستنكحها سليمان عليه السلام. قال ابن أبي حاتم: قال أبو بكر بن أبي شيبة: ما أحسنه من حديث!
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الله بن شداد قال: كان سليمان عليه السلام إذا أراد أن يسير وضع كرسيه، فيأتي من أراد من الانس والجن، ثم يأمر الريح فتحملهم، ثم يأمر الطير فتظلهم. فبينا هو يسير إذ عطشوا فقال: ما ترون بعد الماء؟ قالوا: لا ندري. فتفقد الهدهد وكان له منه منزلة ليس بها طير غيره فقال: {ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابًا شديدًا} وكان عذابه إذا عذب الطير نتفه، ثم يجففه في الشمس {أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين} يعني بعذر بين.